-->

لطفية النادي .. حكاية أول مصرية تحصل على لقب "كابتن طيار"

لطفية النادي أول مصرية تحصل على رخصة طيران
لطفية النادي أول مصرية تحصل على رخصة طيران 

لا حديث للعالم اليوم إلا عن الأمر الملكى الذى صدر فى المملكة العربية السعودية فى الآونة الأخيرة والذى يسمح للسيدات السعوديات بقيادة السيارات، وهو قرار شهد صولات وجولات قبل أن يتم إقراره مؤخرا، وبينما تحصل السيدات السعوديات فى الفترة الحالية على حقهن في قيادة السيارة، كانت هناك سيدة فى مصر قد حصلت على ما هو أبعد من ذلك خلال العقود الأولى من القرن الماضى، إنها لطفية النادى الحاصلة على إجازة الطيران فى السادسة والعشرين من عمرها وأول فتاة تحصل على لقب كابتن طيار فى مصر، وهى فتاة ولدت عام ١٩٠٧ لوالد يعمل في المطبعة الأميرية ولم يكن يري في دراسة الفتيات فائدة تذكر، وأن ابنته يكفيها ما تلقته من تعليم في المرحلة الإبتدائية، أما والدتها فآمنت في قرارة نفسها أن الأم هي مصنع الرجال وأن عليها تلقي من التعليم ما يعزز دورها هذا، لذا كانت خير سند لابنتها لطفية التي لم يقتصر طموحها علي التعليم فقط، بل وصلت بها أحلامها إلى الرغبة فى أن تكون " طيارة"، ذلك الحلم الذى حينما سئُلت عنه أكدت على رغبتها فيه لأنها كانت تحلم بالحرية.

 أما فى الواقع فإن الطيران الذى وقعت لطفية في غرامه بعدما قرأت عنه فى الصحف كانت دراسته والعمل به كفتاة أقرب إلي المستحيل في حينها، ولكن لطفية لم تكن تؤمن بالمستحيل، فسألت نفسها عن المانع من التحاقها بمدرسة الطيران التي كانت لا تزال في بداياتها في هذا الوقت، وكانت حكراً حينها علي الرجال، وسرعان ما واجهت العقبات بمجرد أن أعلنت عن أفكارها، حيث واجهها  رفض والدها لكل ما تحلم به، ولكن هذا لم يثبطها عن الاستمرار فى الحلم، فقد قررت لطفية أن تواجه منفردة كل القيود والأفكار المتوارثة المحيطة بها، وأن تقاتل في سبيل حلمها، وكانت بداية معركتها مع المال، فرفض والدها لدراستها الطيران كان نتيجته عدم قدرتها على تمويل مصروفات الدراسة، ومن هنا انطلقت لطفية فى كل سبيل فقط لكى تتمكن من أن تكون كابتن طيار.

وطرقت لطفية كل الأبواب فى سبيل الحلم بالتحليق واستشعار الحرية بين السحب، فذهبت إلي أحمد الصاوي الكاتب الصحفي بجريدة الأهرام وصاحب العامود الصحفى "ما قل ودل" والمعروف بكتاباته الليبرالية ودفاعه عن المرأة ليكون لها سنداً فى أولى الخطوات نحو حلمها، ولكنه قال لها " لا تزال صغيرة فى السن ولازم موافقة أهلك" ورفض مساندتها دون موافقة والدها، فقررت اللجوء إلي كمال علوي، مدير عام مصر للطيران آنذاك، الذى ساعدها بمنحها فرصة عمل في مدرسة الطيران تساعدها على سداد المصروفات خاصة أنه آمن بأن اشتراك لطفية فى المدرسة سيساهم فى نشر صورة إيجابية عنها، وسرعان ما كان رد لطفية هو قبول الاقتراح، فعملت سكرتيرة وعاملة تليفون فى مدرسة الطيران إلى جانب كونها طالبة بالمدرسة في الوقت ذاته، وكل هذا كان يتم بدون علم والدها.


تعلمت لطفية الطيران علي يد المصريين والإنجليز في مطار ألماظة، وبالتحديد علي يد مستر كارول، كبير المعلنين بأكاديمية الطيران، وكانت هي المرأة الوحيدة بين جمع من الرجال، وبعد جهود مضنية بذلتها لطفية في مواجهة الكثير والكثير من القيود وفى العمل لتوفير المال وكذلك فى التعلم، توجت في الأخير بحصولها علي إجازة الطيران وهي في السادسة والعشرين من عمرها وبعد فترة وجيزة من التدريب والتعلم، كانت رقم ٣٤، وكل من سبقوها كانوا من الرجال، بينما هي كانت الأولي علي مستوي مصر والعالم العربي وأفريقيا، والثانية على العالم في قيادة طائرة منفردة، فقد تمكنت من القيادة بمفردها بعد ١٣ ساعة من الطيران المزدوج مع كبير معلمي الطيران بمدرسة الطيران المصرية.

 اهتمت الصحافة المصرية بما قامت به لطفية من إنجاز، ونشرت خبر حصولها علي إجازة الطيران مرفق بصور تم التقاطها لها، حينها علم والدها بالسر الذى أخفته عليه فاستشاط غضبا، ولم يهدأ إلا حينما دعته كابتن لطفية إلي رحلة فى سماء القاهرة والجيزة وفوق الأهرامات وأبو الهول، وحينما رآي بعينيه شجاعة ابنته وقدراتها احتضنها وانقلب غضبه تشجيعا ودعما.

ونظراً لما قامت به لطفية من إنجازات فإن دائرة دعمها كانت تتسع مع مرور الوقت حتي وصلت إلى مستوى المساندة الملكية، ففي سباق نُظم علي هامش مؤتمر الطيران الدولي عام 1933، وهو سباق سرعة بين القاهرة والإسكندرية، قرر الملك فؤاد منحها ٢٠٠ جنيها جائزة شرف تشجيعاً لمشاركتها حتى وإن لم تنل المركز الأول لعدم إتمامها شروط السباق بالرغم من أنها كانت أول الواصلين، أما هدي شعرواي فقد كانت من أكثر الداعمين لكابتن لطفية، حيث علقت علي مشاركتها في هذا السباق في برقية تهنئة قائلة " شرفت وطنك، ورفعت رأسنا، وتوجت نهضتنا بتاج الفخر، بارك الله فيك"، وتولت شعرواي مشروع اكتتاب لشراء طائرة خاصة للطفية، لتكون سفيرة لبنات مصر في دول العالم التي تمر بها، ولتقدم خير صورة لنضالهن فى سبيل أحلامهن ولتعكس قدرة المرأة المصرية علي تخطي العقبات، خاصة أن لطفية كانت هي الرائدة التي فتحت للكثيرات من بعدها باب تعلم الطيران.

 توالت إنجازات لطفية عاما بعد عام، ولكنها لم تتزوج قط وفضلت أن تعيش حياتها بين السحب ووسط زرقة السماء، وكان آخر علاقتها بالطيران تقلدها منصب سكرتير عام نادي الطيران المصري بعد مساهمتها في تأسيسه وإدارته بكفاءة، عاشت لطفية فترة فى سويسرا التى حصلت على جنسيتها تكريماً لها، وانتقلت بعدها إلى تورنتو حيث يعيش ابن أخيها وانتهى بها المطاف فى القاهرة، حيث توفيت عام 2002 إثر عمر يناهز 95 عاماً،  بعد تاريخ حافل بالإنجازات وقدرة على الكفاح من أجل تحقيق الأحلام.

المحرر
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع kallabsh .

جديد قسم : التخشيبة

إرسال تعليق