قبل حوالي شهرين من اليوم دعا "منذر عميرة"، الناشط الشاب
باللجنة الشعبية الفلسطينية و أحد أبناء الضفة الغربية، وعدد من أصدقائه باللجنة
ذاتها، "جورين كيرو كيرولور" و "سيلفادور دي ليوسي"، فنانين
إيطاليين، للدخول إلى فلسطين لأول مرة من أجل تصميم جدارية عملاقة تكسو حائط
الجدار العازل أو "جدار الفصل العنصري" والذي يتراوح ارتفاعه ما بين 8
إلى تسع أمتار، شطرت به قوات الإحتلال الإسرائيلي المدينة إلى نصفين، في إطار
مشروع أطلقت عليها "الجدار الواقي" في أعقاب الإنتفاضة الفلسطينية
الثانية وتحديدا بحلول نهاية يونيه 2002.
"إحنا معودين باللجنة ندعو شباب
فنانين داعمين للقضية الفلسطينية لتصميم عمل إبداعي أو فني يقاوم ويتحدى الإحتلال
بالطريقة ياللي تخصنا".
لم يجد عميرة وأصدقائه والرفيقين
الإيطاليين الجدد موقعا أهم من جدار الفصل العنصري بالضفة الغربية، ليحمل وحده
ثمرة مشروعهم الفني الجديد، فالجدار الذي يبلغ عرضه حوالي 160 متر، بات كتاب
تاريخ، فُتح على مصراعيه ليزخر بتوثيق عشرات الأحداث والقضايا، لأنه خير حافظا لما
يحتضنه من روح مقاومة وثورية لم تستطع قرارات الهدم والبناء الاستيطانية محوها،
"الجدار لم يفصل بيننا وبين بعضنا فحسب، لكنه فصل بيننا وبين أحلامنا
وآمالنا"، نصف أحلام ونصف أمنيات، تنتظر صداها لدى النصف الآخر، "كل حد
منا بيساعد من خلال مجموعته إنه نبين للإحتلال إنه حتى هذا الجدار بشكله المروع
والكئيب يمكننا استخدامه لإثبات إننا مازلنا موجودين" يتحدث منذر عميرة.
بعد أن وقع الإختيار على الجدار
العازل، تم تحديد المساحة التي سيتم استخدامها لتصميم الجدارية، لكن ظل ما ستحويه
مبهما لا يعرفه أحد، حتى أفصح الفنانين الإيطاليين عن رغبتهما في أن يتم رسم صورة
الناشطة الفلسطينية الشابة عهد التميمي، والتي قبعت في سجون الإحتلال منذ حوالي
ثمانية أشهر، قبل أن تُحرر في مطلع الشهر الجاري، فوق الجدارية ليبقى أثرها
باقيا ممتدا لعشرات السنين رفقة بقية أبناء المقاومة ممن زينت وجوههم الوجه
القبيح لحائط الجدار، "هما إختاروا شخصية عهد، ونحنا وافقنا لأنها أيقونة
ثورية شعبية لا تنسى، لأنه أيضا كنا بإنتظار الإفراج عنها، فاحتفلنا بها على
طريقتنا الخاصة. كمان كنا ناويين نرسم كمان بجانب عهد أساطير المقاومة الشعبية عنا
مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات وكريم يونس، الأسير لدى سجون الإحتلال منذ حوالي
36 عاما، لكن بطش قوات الإحتلال منعنا من ذلك"، الجدار يحوي عشرات القضايا
بين دفتيه، كلما أراد شباب المقاومة الإعتراض على قضي أو قرار ما وثقوا وحفروا
احتجاجهم فوقه، فيلحق الرسم فوق الجدار بصنوف المقاومة الأخرى، كالطائرات الورقية
والكاوتشوك المحترق والنبال!، "وقت إضراب الأسرى بيوليو 2017، رسمنا فوق
الجدار صورا داعمة لقرار الإضراب مصحوبة بـ 1000 اسم من أسماء المضربين".
أسبوعان متواصلان لم يبرحا فيهما
الرسامان الإيطاليان محيط الجدار، العمل كان متواصل ليل نهار، فريق يحضر الألوان
وأدوات التزيين، آخرون يداومون على حمل الطعام وشرائه وإدخاله بعيدا عن أعين قوات
الإحتلال التي أرقها قرب الإنتهاء من تصميم الجدارية، "كانا متحمسين جدا،
حاولوا الرسم على التوازي بعدة مواقع أخرى، لكن قوات الإحتلال منعتنا ومنعتهما،
حاولنا رسم صورة لعهد عند المدخل الشمالي لبيت لحم، ومنعونا، انتقلنا إلى جدار
الفصل فأوقفونا"
قبل أن ينتهي العمل بقرابة يومين،
حضر عدد من الضباط الإسرائيليين نهروا عميرة ورفاقه، أمروهم بالكف عن استكمال
المشروع، وحينما استمر العمل رغم التهديدات المتلاحقة، تم إعتقال دي ليوسي
وكيرولور مع أحد الشباب يدعى "مصطفى الأعرج"، "منعوهما من الرسم
مرة أخرى، تم إعتقالهما وحجزهما مدة 72 ساعة، وبحضور محامينا قررت سلطات الإحتلال
منعهما من دخول الأراضي الفلسطينية لمدة عشر سنوات، وسرعة ترحيلهما إلى إيطاليا"،
يقول منذر.
هيستيريا الخوف التي انتابت حكومة
الإحتلال، حتى باتت تلاحق فنانين عُزل سلاحهم فقط الريشة والألوان، تعتقلهم،
تردعهم وتهدد بالإعتقال، باتت ورقة خاسرة لدى منذر ورفاقه، لم تثهم عن استكمال ما
بدأوه، "نحنا ما بنخاف مما تقوم به قوات الإحتلال من إعتقال وضرب واستبعاد،
سنكمل طريقنا في المقاومة بسلاح الفن والإبداع، ثورتنا القادمة ستكون في الخان
الأحمر، المنطقة البدوية التي تريد قوات الإحتلال طرد سكنها وضمها للأراضي
الاستيطانية بقرار من محكمة الإحتلال، سنحشد عدد من الفنانين من داخل وخارج فلسطين
فضلا عن المواطنين، يجب أن يتضخم عددنا بنجذب إهتمام العالم نحو الترحيل المزمع
خلال أيام قليلة"، في محاولة منهم للضغط على قوات الإحتلال للعدول عن القرار.
تعليقات: 0
إرسال تعليق