-->

حوار ساخن مع الرجل الذي هدد عرش السادات



عقارب الساعة تدُق الواحدة بعد الظهر يوم الثلاثاء الموافق 18 يناير عام 1977، بدأ الطلاب في التجمع بالقرب من ساعة جامعة القاهرة، وبين الأركان، لمناقشة القرارات الجديدة التي أصدرتها الحكومة برفع أسعار السلع الأساسية وإلغاء الدعم، وخاصة قرار رفع أسعار الخبز، بنسبة تصل إلى الضعف.

ساعات قليلة ويبدأ العمال بالمصانع والشركات والطلاب ومثقفي الوطن والفلاحين الانتفاضة ضد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بعد قرار الحكومة برفع أسعار25 سلعة دفعة واحدة من بينها الدقيق والأرز والشاي واللحوم، وزيادة أسعار السجائر والبنزين والسكر، لتكون الشرارة التي اندلعت منها المظاهرات والتي ضمت جميع فئات الشعب من طلبة وعمال ومواطنين.


وتحل هذه الأيام الذكري الـ 42 على انتفاضة الخبز الشعبية أو حسب توصيف الرئيس الراحل «انتفاضة الحرامية» كان ضمن هؤلاء الثائرون على قرارات الحكومة.

التقينا المهندس الشاب أحمد بهاء الدين شعبان، أحد طلاب كلية الهندسة بجامعة القاهرة الذي سيصبح فيما بعد واحد من رموز العمل السياسي في مصر،  ليروي تفاصيل أحد أكثر الأحداث سخونة في تاريخ مصر الحديث.



«الجميع استيقظ على قرارات الحكومة برفع أسعار الخبز والسلع الغذائية، فبدأ الجميع في التحرك من الحركات الثورية داخل الجامعة، ولم نكن وحدنا من صدمته هذه الإجراءات الاقتصادية وحفزته على التحرك، بل كان هناك كثيرون بمواقع أخرى كالقطاعات العمالية والفلاحية ومثقفي الوطن، فبدأ الجميع يتحرك في نفس الاتجاه، وتشكلت المجموعات فمنهم من بدأ في صياغة المنشور لطبعه وتوزيعه على المواطنين وقسم آخر اتجه لإعداد مجموعات من الصحف الحائطية، وآخرون إعداد اللافتات المطلوبة، وبدأنا في الاتصال بالزملاء في الكليات والجامعات»، يقول أحمد بهاء الدين.


كان التحرك فوري وفوضوي دون ترتيب مسبق لكن الحماسة قادت الجميع لأن يكون بين الرافضين لتلك القرارات، يقول بهاء الدين: «بمساندة ومشاركة العمال بشركات الغزل والنسيج والحربية بحلوان، انضموا إلينا وبدأنا في التوجه مباشرة إلى مجلس الشعب، وخلال المسيرة بدأ العشرات من المواطنين الانضمام إلينا وبدأت الأعداد في تزايد حتى وصلنا إلي شارع القصر العيني». 



«يوم غير عادي في تاريخ مصر»، ان له أكبر الأثر في نفوس الدولة المصرية والقائمين عليها، حينذاك "كان يرتدى العمال في الأغلب الملابس الكاكي، والمواطنين بالشوارع كانوا يتكتلون في جماعات وحلقات، وسار الجميع في هرولة، يقول بهاء الدين: «كل خطوة نتقدمها تأخدنا إلى مواقع أكثر كثافة وأشد ضجيجا، انضم  الصعايدة ، وبدأت السيدات تلبسن السواد لنا».

«إحنا الشعب مع العمال ضد تحالف رأس المال.. عبد الناصر ياما قال.. خللوا بالكو من العمال».. واحدة من الشعارات التي هزت أركان مجلس الشعب بصوت شامخ من جموع المصريين، هكذا بدأ أحمد بهاء الدين تذكر الهتافات والشعارات في ذلك الوقت وعيناه تملؤها الحماسة فيقول: «بدأت الشعارات تهز أركان مجلس الشعب، فقد كان الجميع يندفع في تجمعات هائلة الجميع أتى من مناطق متفرقة كـ السيدة زينب، وباب اللوق، وحى عابدين والعتبة الخضراء، وغيرها من الأماكن، وبدأ طلاب هندسة جامعة عين شمس في القدوم رافعين مساطر حرف الـ تي الهندسية».



بدأ الحماس يشتعل بين صفوف المواطنين حتى بدأ إطلاق القنابل الصوتية والضوئية وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى، وأدي ذلك إلى حجب الرؤية، حتى تفرق الجميu لما تهدأ التكتلات وأرتفع صوت الهتاف: «يادى العار .. يادى العار.. مصري يضرب مصري بنار».

في اليوم التالي مع بزوغ أول شعاع نور تجمع الطلبة والشباب في ميدان التحرير ، وفي السابعة بدأ ميدان رمسيس يعج بالعشرات بل بالاف المواطنين، وبدأت المعركة بين قوات الأمن المركزي والمواطنين ، وفي الثامنة والثلث بدأ المتظاهرون من الاقتراب من ميدأن الإسعاف الذي امتلأ فجأة من سيارات الأمن المركزى وبدأت المعركة من جديد باليوم الثاني".


بعينين دامعة يسترجع أحمد بهاء الدين ذكريات ذلك اليوم قائلا: «مع دقات الساعة التاسعة والنصف تقريبا بدأت الضحايا تنهال وبدأنا في حملها داخل العمارات لاسعافها والهتافات تعلو وسط ذلك كله «يا شباب يا شباب مش هنخاف.. ياممدوح يا ممدوح دم اخواتنا مش هيروح».. وبدأت الحشود في الاقتراب من قصر عابدين ، ومرت أكثر من سبع ساعات منذ الصباح الباكر و المتظاهرين يجوبون شوارع العاصمة للانتفاضة، ضد ممدوح سالم وزير الداخلية وضد سيد مرعي عضو مجلس الشعب.



تساقط العشرات من القتلى والجرحى أمامنا، وبدأت القوات المسلحة في النزول للسيطرة على الوضع وفرض حالة الطوارئ، وبدأت الثلاث صحف القومية في ذلك الوقت بوصفنا بالحرامية والمخربين والشيوعيين، وبالفعل بدأ القبض على المتظاهرين وتم القبض على 176 متهما، و تراجع الرئيس الراحل محمد أنور السادات عن تلك القرارات التي أغضبت الشارع المصري في ذلك الوقت".


ولكن على غير المتوقع قام المستشار حكيم منير صليب، القاضي في ذلك الوقت بموقف بطولي تدمع له العينين، حيث قام بتخفيف الحكم على المتهمين والافراج عن البعض الأخر".

وبفخر يقول أحمد بهاء الدين: «عندما يمر شريط الاحداث الرهيبة التى انقضت أشعر كأني أعيش حلما لم أفق من سطوته بعد، يمتزج شعوري بين السعادة والحزن، بين الفخر والغضب، اتذكر كلمات الشيخ إمام وأحمد  فؤاد نجم عندما يقولون «يا مصر قومي وشدى الحيل».

المحرر
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع kallabsh .

جديد قسم : دفتر أحوال

إرسال تعليق