-->

مفاجأة.. أقدم مساجد مصر غير مسجل في هيئة الآثار






"دي مِنّ حور" مدينة الإله حورس في العصر الفرعوني، أو "هرموبوليس برفا" أي مدينة هرمس الصغرى في العصر الروماني، وكذلك سميت "أبوللونوبوليس" نسبةً إلى "أبولو" إله النور اليوناني، كل هذا قبل أن يُغلق الستار على هذه الحضارات وتبدأ حقبة جديدة، وبدأت هذه الحقبة بــ"التوبة"، ذلك المسجد الذي بُني في صدر الإسلام فيما بين عامي 21-25هـ إنها مدينة دمنهور، الشاهد الأقوى على حضارتٍ شتى عبر آلاف السنين.

"جامع التوبة من أوائل الجوامع في مصر وإفريقيا، ولكنه ليس الثاني كما هو مكتوب على واجهته، وهناك فرق بين المسجد والجامع" هكذا يخبرنا الدكتور "كريم حمزة" الباحث في التاريخ والآثار الإسلامية بدمنهور، حيث أن المسلمين صلوا أول فرض في أثناء فتحهم لمصر في مكان وجودهم آنذاك، وبنوا المساجد للصلاة، ولكن الجامع في الإسلام له مفهوم أوسع من كونه مكانًا للصلاة، إذ أنه يجمع الناس لصلاة الجمعة ومنه يكون مركز حكم الإقليم وعاصمته الإدارية.

وكذلك كان "جامع التوبة" ذلك العلم الشاهد على حضارات مصر، فيخبرنا الدكتور  حمزة  أن خصوصية المكان والأحداث لها النصيب الأكبر في أصل التسمية، إذ أن مكان الجامع كان معبدًا فرعونيًا، ولكنه تحول لمسجدٍ وأطلق عليه مسجد التوبة إشارةً لتحول المكان من الوثنية إلى الإسلام، وصار مركز حكم إقليم البحيرة في دمنهور، وتحول جامع التوبة إلى الجامع الرئيس في الإقليم، وكان ذلك بقيادة الصحابي "عبادة بن الصامت" قبل فتح الإسكندرية.

"المساجد في مصر وقت الفتح كانت كلها تحمل نفس التصميم، وتتبع في ذلك تصميم المسجد النبوي في المدينة آنذاك" وهذا التصميم تم تطويره عبر العصور المتلاحقة كما يذكر حمزة، إذ أنه كما كان لكل بلد طرازه المعماري الخاص به والمميز له، كان كذلك لكل عصر طرازه المعماري، فيستطيع الباحث الأثري أو التاريخي، أو حتى الشخص العادي الذي لديه تذوق فني أن يميز بين الفن المشيد في العصر الأموي والفن المشيد في العصر العثماني، وذلك من خلال شكل المباني وطرازها الأثري.

ويُعرف الأثر على أنه كلّ ما يعود إلى العصور والعهود القديمة التي تعاقبت على منطقةٍ معيّنة من الأرض، ومن هنا نقع في إشكالية ماهو الأثر؟ فمسجد التوبة ، هذا المكان الذي يعد من أوائل دور العبادة في مصر سواء الإسلامية أو الفرعونية ليس مسجلا كأثر مصري!! فالمبنى تم ترميمه عشرات المرات على مدار عمره البالغ أكثر من الف عام، و استقر أخيراً على إعادة بناءه في الفترة من 2012 إلى 2015، ليُشيد على الطراز المملوكي المصري بتكلفة مليوني جنيها كانت بالجهود الذاتية من أبناء دمنهور.

كما يوجد داخل المسجد، الذي لا تعتبره هيئة الآثار أثرًا، نجفة أثرية تزن ثلاثة أطنان من النحاس، كما أن منبر المسجد هو الآخر تحفة فنية أهداه وجيه أباظة أول محافظ لإقليم البحيرة عقب ثورة يوليو 1952 ودفع ثمنه من نفقته الخاصة حينما تم إعادة بناء المسجد عام 1958.

ومثلما يحمل الجامع تاريخ المكان، ويسجل تراث إنساني من المقتنيات الأثرية، فإنه أيضا يوثق العديد من المناسبات التي مرت على مصر وكان هو الحاضن لها، فكان أهل إقليم البحيرة يقيمون صوان عزاء لكل زعيم مصري في هذا الجامع العتيق ليتوافد كل من لم يستطع الذهاب إلى  القاهرة إلى هذا الجامع ليؤدي واجب العزاء في الفقيد، فأُقيم فيه عزاء الزعيم محمد فريد وكل زعماء الوطن.
ويظل جامع التوبة هو الشاهد الأقوى على الأمكنة والأزمنة والديانات والأحداث، شامخًا غير مُبالي بكون الدولة تعترف به كأثرٍ أو لا.

المحرر
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع kallabsh .

جديد قسم : دفتر أحوال

إرسال تعليق